فصل: تفسير الآيات (63- 65):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{واستعمركم فِيهَا} أي: طلب منكم عمارتها، وهذا يتطلب أمرين اثنين: أن يبقي الناس الأمر الصالح على صلاحه، أو يزيدوه صلاحًا.
وكما ضربت المثل من قبل بتحسين وسائل وصول المياه إلى المنازل بعد اكتشاف نظرية الأواني المستطرقة، فقد كان الناس يشربون الماء من الترع، ثم تم اختراع كيفية تكرير المياه، ثم جاءت نظرية الأواني المستطرقة، فاستغلها الناس في بناء خزانات عالية، وتوصيل الماء بواسطة مواسير تدخل لكل بيت. وهكذا تصل المياه النقية لكل منزل، وهكذا يزداد في الأمر الصالح صلاحًا.
وأيضًا إن استصلحنا الأرض البور، فنحن نزيد الأرض رقعة صالحة لإنتاج الغذاء لمقابلة الزيادة في عدد السكان.
وما دام عدد السكان في زيادة فلابد من زيادة رقعة الأرض بالاستصلاح؛ لأن الأزمة التي نعاني منها الآن، هي نتيجة للغفلة التي مرت علينا، فزاد التكاثر عن الاستصلاح، وكان الواجب يقتضي أن نزيد من الاستصلاح بما يتناسب مع الزيادة في السكان.
وهكذا نفهم معنى استعمار الأرض.
ومن عظمة الحق سبحانه وتعالى أنه تجلَّى على الخَلْق بصفات من صفاته، فالقويُّ يعين الضعيف، والحق سبحانه له مطلق القوة، ويَهَبُ الخلق من حكمته حكمة، ومن قبضه قبضًا، ومن بسطه بسطًا، ومن غناه غنىً؛ ولكن الصفات الحسنى كلها ذاتية فيه وموهوبة منه لنا.
والدليل على ذلك أن القوي فينا يصير إلى ضعف، والغني منا قد يصيبه الفقر؛ حتى لا نفهم أن هذه الصفات ذاتية فينا، وأن الحق سبحانه وتعالى قد أعطانا من صفاته قدرة لنفعل.
ومن أعطاه الله تعالى قدرة ليفعل؛ عليه أن يلاحظ أنه انتفع بفعل من سبقه، فإن أكل اليوم تمرًا على سبيل المثال فعليه أن يتذكر أن الذي زرع له النخلة هو من سبقه، فليزرع من يأكل البلح الآن نخلة لتفيده بعد سبع سنين وهو الزمن اللازم لتطرح النخلة بلحًا وليستفيد بها من يأتي من بعده.
ويقول الحق سبحانه وتعالى ما جاء على لسان صالح عليه السلام لقومه {ثمود} في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {فاستغفروه ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود: 61].
فإن استغفر الإنسان، فالحق سبحانه قريب من كل عبد يستغفر عن ذنوب لا تمثل حقوقًا للناس، والله سبحانه وتعالى يجيب لطالب المغفرة.
فماذا كان الرد من قوم ثمود؟
يقول الحق عز وجل ما جاء على ألسنتهم: {قَالُواْ يا صالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا}
كانوا ينظرون إلى صالح عليه السلام بتقدير ورجاء قبل أن يدعوهم لعبادة الله تعالى وحده، ولا إله غيره.
والمرجوُّ هو الإنسان المؤمَّل فيه الخير، ذكاءً، وطموحًا، وأمانة، وأية خصلة من الخصال التي تبشر بأنه له مستقبلًا حسنًا.
ولكن ما إن دعاهم صالح عليه السلام إلى عبادة الله سبحانه وتعالى أعلنوا أنه بتلك الدعوة إنما يفسد رجاءهم فيه وما كانوا يأملون فيه.
وقد أوضح لهم صالح عليه السلام ما أوضحه الرسل من قبله ومن بعده، أن اتخاذ الأصنام أو الأشجار أو الشمس آلهة تُعْبد هو أمر خاطئ؛ لأن العبادة تقتضي أوامر ونواهي ينزل بها منهج؛ يتبعه من يعبدون، وتلك الكائنات المعبودة لا منهج لها، ولا عبادة دون منهج.
وأضاف قوم ثمود: {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [هود: 62].
والشك هو استواء الطرفين: النفي والإثبات.
إذن: فهم ليسوا على يقين أن عبادتهم لما عبد آباؤهم هي عبادة صادقة، ودعوة صالح عليه السلام لهم جعلتهم يترددون في أمر تلك العبادة؛ وهذا يُظهر أن خصال الخير في صالح عليه السلام جعلتهم يترددون في أمر عبادتهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله تعالى: {وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ}: كالذي قبله. والعامَّة على مَنْع {ثمود} الصرفَ هنا لعلتين: وهما العلمية والتأنيث، ذهبوا به مذهبَ القبيلة، والأعمش ويحيى بن وثاب صرفوه، ذهبا به مذهب الحيّ. وسيأتي بيان الخلاف في غير هذا الموضع.
قوله: {مِّنَ الأرض}: يجوز أن تكونَ لابتداء الغاية، أي: ابتداء إنشائكم منها: إمَّا إنشاءُ أصلكم وهو آدم، أو لأن كلَّ واحد خُلق مِنْ تُرْبته، أو لأن غذاءَهم وسببَ حياتهم من الأرض. وقيل: {مِن} بمعنى في ولا حاجة إليه.
{قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)} قوله تعالى: {وَإِنَّنَا}: هذا هو الأصل، ويجوز وإنَّا بنونٍ واحدة مشددة كما في السورة الأخرى. وينبغي أن يكون المحذوفُ النونَ الثانية من إنَّ لأنه قد عُهِد حَذْفُها دون اجتماعِها مع ن فَحَذْفُها مع ن أولى، وأيضًا فإنَّ حَذْف بعضِ الأسماء ليس بسهلٍ. وقال الفراء: مَنْ قال إننا أَخْرج الحرفَ على أصله؛ لأنَّ كتابةَ المتكلمين ن فاجتمع ثلاثُ نونات، ومَنْ قال: إنَّا استثقل اجتماعَها فأسقط الثالثة، وأبقى الأوَّلَيْن. انتهى. وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك أولَ هذا الموضوع.
قوله: {مُرِيبٍ} اسم فاعل مِنْ أراب، وأراب يجوز أن يكونَ متعدِّيًا مِنْ أرابه، أي: أوقعه في الريبة أو قاصرًا مِنْ أراب الرجلُ، أي: صار ذا ريبة. ووُصِف الشكَّ بكونه مُريبًا بالمعنيين المتقدمين مجازًا. اهـ.

.تفسير الآيات (63- 65):

قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أبرزوا له أمرهم في قالب الشك على سبيل الجزم، قابلهم بمثله على سبيل الفرض إنصافًا لهم لئلا يلائم الخطاب حال المخاطبين، فاستأنف سبحانه الإخبار عنه بذلك في قوله: {قال} أي صالح ناديًا لهم إلى النظر في أمره برفق: {يا قوم أرءيتم} أي أخبروني: {إن كنت} أورده بصيغة الشك لأن خطابه للجاحدين: {على بينة من ربي} أي المحسن إليّ، لا شك عندي فيها: {وآتاني منه رحمة} أي أوامر هي سبب الرحمة: {فمن ينصرني} وأظهر موضع الإضمار وعبر بالاسم الأعظم لاقتضاء المقام التهويل فقال: {من الله} أي الملك الأعظم: {إن عصيته} أي إن وقوعكم في الشك على زعمكم حملكم على هيئة الإباء في التلبس بأعمالهم مع زوالهم واضمحلالهم لو كانوا موجودين وعصيتموهم لم تبالوا بهم، وأما أنا فالذي أمرني بعبادته حي قادر على جزاء من يطيعه أو يعصيه، وأقل ما يحمل على طاعته الشك في عقوبته، وهو كاف للعاقل في ترك الخطر: {فما} أي فتسبب عن نهيكم لي عن الدعاء إليه سبحانه أنكم ما: {تزيدونني} بذلك شيئًا في عملي بما ترمونه مني من عطفي عنه باتباعكم في عملكم أو الكف عنكم لأصير في عداد من يرجى عندكم ممن له عقل: {غير تخسير} أي إيقاعي في الخسارة على هذا التقدير: فلا تطمعوا في تركي لشيء من مخالفتكم ما دمتم على ما أنتم عليه، والآية كما ترى ناظرة إلى قوله تعالى: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك}.
ولما أخبرهم أن معصية الله خسران، ذكرهم أمر الناقة التي أخرجها سبحانه لهم من الأرض شاهدًا على كونهم مساوين للأوثان في كونهم منها مفضلين عليها بالحياة محذرًا لهم من شديد انتقامه فقال: {ويا قوم هذه} إشارة إلى حاضر، وذلكم بعد أن أخرجها لهم سبحانه عندما دعاه صالح عليه السلام؛ وبين الإشارة بقوله: {ناقة الله} أي الملك الأعلى، ثم بني حالًا من: {آية} مقدمًا عليها لئلا يكون صفة لها فقال: {لكم} أي خاصة لنظركم إياها عندما خرجت ولكل من سمع بها بعدكم، وليس الخبر كالمعاينة، أشير إليها حال كونها: {آية} بكون الله تعالى أخرجها لكم من صخرة، وهي عشراء على حسب ما اقترحتم وأنتم تشاهدون وبكونها تنفرد بشرب يوم، وتنفردون كلكم بشرب يوم وتنفرد برعي يوم، وتنفرد جميع الحيوانات من دوابكم ووحوش بلادكم برعي يوم إلى غير ذلك مما أنتم له مبصرون وبه عارفون: {فذروها} أي اتركوها على أيّ حالة كان ترككم لها: {تأكل} أي مما أرادت: {في أرض الله} أي الملك الذي له الأمر كله التي خلقها منها: {ولا تمسوها بسوء} والأكل: مضغ يقع عند بلع؛ والمس مطلق الإصابة ويكون بين الحيوان وغيره، واللمس أخص منه لما فيه من الإدراك: {فيأخذكم} أي فيتسبب عن ذلك أن يأخذكم: {عذاب قريب} أي من زمن إصابتكم لها بالسوء؛ ثم اشار إلى قرب مخالفتهم لأمره فيها بقوله مسببًا عن أوامره ونواهيه ومعقبًا: {فعقروها} أي الناقة: {فقال} أي عند بلوغه الخبر: {تمتعوا} أي أنتم تعيشون: {في داركم} أي داركم هذه، وهي بلدة الحجر: {ثلاثة أيام} أي بغير زيادة عليها، فانظروا ماذا يغني عنكم تلذذكم وترفهكم وإن اجتهدتم فيه.
ولما كان كأنه قيل: هل في هذا الوعيد مثنوية، قال مجيبًا: {ذلك} أي الوعد العالي الرتبة في الصدق والغضب: {وعد غير مكذوب} أي فيه؛ والتمتع: التلذذ بالمدركات الحسان من المناظر والأصوات وغيرها مما يدرك بالحواس، وسميت البلاد دارًا لأنها جامعة لأهلها- كما تجمع الدار- ويدار فيها. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً}
اعلم أن قوله: {إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى} ورد بحرف الشك وكان على يقين تام في أمره إلا أن خطاب المخالف على هذا الوجه أقرب إلى القبول، فكأنه قال: قدروا أني على بينة من ربي وأني نبي على الحقيقة، وانظروا أني إن تابعتكم وعصيت ربي في أوامره فمن يمنعني من عذاب الله فما تزيدونني على هذا التقدير غير تخسير، وفي تفسير هذه الكلمة وجهان: الأول: أن على هذا التقدير تخسرون أعمالي وتبطلونها.
الثاني: أن يكون التقدير فما تزيدونني بما تقولون لي وتحملوني عليه غير أن أخسركم أي أنسبكم إلى الخسران، وأقول لكم إنكم خاسرون، والقول الأول أقرب لأن قوله: {فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ الله إِنْ عَصَيْتُهُ} [هود: 63] كالدلالة على أنه أراد إن أتبعكم فيما أنتم عليه من الكفر الذي دعوتموني إليه لم أزدد إلا خسرانًا في الدين فأصير من الهالكين الخاسرين.
{وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ}
اعلم أن العادة فيمن يدعي النبوة عند قوم يعبدون الأصنام أن يبتدئ بالدعوة إلى عبادة الله ثم يتبعه بدعوى النبوة لابد وأن يطلبوا منه المعجزة، وأمر صالح عليه السلام هكذا كان، يروى أن قومه خرجوا في عيد لهم فسألوه أن يأتيهم بآية وأن يخرج لهم من صخرة معينة أشاروا إليها ناقة، فدعا صالح ربه، فخرجت الناقة كما سألوا.
واعلم أن تلك الناقة كانت معجزة من وجوه، الأول: أنه تعالى خلقها من الصخرة وثانيها: أنه تعالى خلقها في جوف الجبل ثم شق عنها الجبل.
وثالثها: أنه تعالى خلقها حاملًا من غير ذكر.
ورابعها: أنه خلقها على تلك الصورة دفعة واحدة من غير ولادة، وخامسها: ما روي أنه كان لها شرب يوم ولكل القوم شرب يوم آخر، وسادسها: أنه كان يحصل منها لبن كثير يكفي الخلق العظيم، وكل من هذه الوجوه معجز قوي وليس في القرآن، إلا أن تلك الناقة كانت آية ومعجزة، فأما بيان أنها كانت معجزة من أي الوجوه فليس فيه بيانه.
ثم قال: {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله} والمراد أنه عليه السلام رفع عن القوم مؤنتها، فصارت مع كونها آية لهم تنفعهم ولا تضرهم، لأنهم كانوا ينتفعون بلبنها على ما روي أنه عليه السلام خاف عليها منهم لما شاهد من إصرارهم على الكفر، فإن الخصم لا يحب ظهور حجة خصمه، بل يسعى في إخفاءها وإبطالها بأقصى الإمكان، فلهذا السبب كان يخاف من إقدامهم على قتلها، فلهذا احتاط وقال: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء} وتوعدهم إن مسوها بسوء بعذاب قريب، وذلك تحذير شديد لهم من الإقدام على قتلها، ثم بين الله تعالى أنهم مع ذلك عقروها وذبحوها، ويحتمل أنهم عقروها لإبطال تلك الحجة، وأن يكون لأنها ضيقت الشرب على القوم، وأن يكون لأنهم رغبوا في شحمها ولحمها، وقوله: {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} يريد اليوم الثالث، وهو قوله: {تَمَتَّعُواْ في دَارِكُمْ} ثم بين تعالى أن القوم عقروها، فعند ذلك قال لهم صالح عليه السلام: {تَمَتَّعُواْ في دَارِكُمْ ثلاثة أَيَّامٍ} ومعنى التمتع: التلذذ بالمنافع والملاذ التي تدرك بالحواس، ولما كان التمتع لا يحصل إلا للحي عبر به عن الحياة، وقوله: {فِى دَارِكُمْ} فيه وجهان: الأول: أن المراد من الدار البلد، وتسمى البلاد بالديار، لأنه يدار فيها أي يتصرف يقال: ديار بكر أي بلادهم.
الثاني: أن المراد بالديار الدنيا.
وقوله: {ذلك وَعْدٌ مَكْذُوبٍ} أي غير مكذب والمصدر قد يرد بلفظ المفعول كالمجلود والمعقول وبأيكم المفتون، وقيل غير مكذوب فيه، قال ابن عباس رضي الله عنهما أنه تعالى لما أمهلهم تلك الأيام الثلاثة فقد رغبهم في الإيمان، وذلك لأنهم لما عقروا الناقة أنذرهم صالح عليه السلام بنزول العذاب، فقالوا وما علامة ذلك؟ فقال: تصير وجوهكم في اليوم الأول مصفرة، وفي الثاني محمرة، وفي الثالث مسودة، ثم يأتيكم العذاب في اليوم الرابع، فلما رأوا وجوههم قد اسودت أيقنوا بالعذاب فاحتاطوا واستعدوا للعذاب فصبحهم اليوم الرابع وهي الصيحة والصاعقة والعذاب.
فإن قيل: كيف يعقل أن تظهر فيهم هذه العلامات مطابقة لقول صالح عليه السلام، ثم يبقون مصرين على الكفر.
قلنا: ما دامت الأمارات غير بالغة إلى حد الجزم واليقين لم يمتنع بقاؤهم على الكفر وإذا صارت يقينية قطعية، فقد انتهى الأمر إلى حد الإلجاء والإيمان في ذلك الوقت غير مقبول. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قال يا قوم أرأيتم إن كُنْتُ على بينةٍ من ربي} يحتمل وجهين:
أحدهما: على حق بَيّن.
الثاني: على حجة ظاهرةٍ. وقال الكلبي على دين من ربي.
{وآتاني منه رحمة} قال ابن جرير الطبري يعني النبوة والحكمة.
{فمن ينصرني من الله إن عصيته} أي فمن يدفع عني عذاب الله إن عصيته بطاعتكم.
{فما تزيدونني غير تخسير} فيه وجهان:
أحدهما: يعني ما تزيدونني في احتجاجكم بتباع آبائكم إلا خسارًا تخسرونه أنتم، قاله مجاهد.
الثاني: فما تزيدونني مع الرد والتكذيب إن أجبتم إلى ما سألتم إلا خسارًا لاستبدال الثواب بالعقاب. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي}
قوله: {أرأيتم} هو من رؤية القلب، أي أتدبرتم؟ والشرط الذي بعده وجوابه يسد مسد مفعولي: {أرأيتم}، والبينة: البرهان واليقين، والهاء في بيّنة للمبالغة، ويحتمل أن تكون هاء تأنيث، والرحمة في هذه الآية: النبوة وما انضاف إليها، وفي الكلام محذوف تقديره أيضرني شككم أو أيمكنني طاعتكم ونحو هذا مما يليق بمعنى الآية.